لهذه الأسباب أرفض مشروع التعديل الدستوري

بعد 3 أشهر من الأشغال، قدمت لجنة المنوني مشروع تعديل الدستور الذي أعلن الملك عن مضامينه  في خطاب 17 يونيو. خطاب دعا فيه أيضا لاستفتاء شعبي يوم فاتح يوليوز، أي بعد أسبوعين فقط من نشر
ماذا عن المنهجية؟
أعود في بداية الأمر لمنهجية صياغة مشروع الدستور. بعد مسيرات 20  فبرايرالأولى ضد النظام منذ سنوات (حتى لا نتحدث عن عقود) اخدالملك بزمام الأمور،  و ألقى خطابا يوم 9 مارس أعلن فيه عن إجراء تعديلات دستورية عميقة. و لأجل ذلك، عين لجنة مكونة من خبراء  تقنوقراط وجامعيين، و أوكل  لهم مهمة إعداد مشروع دستور جديد بتشاور مع الأحزاب السياسية و المركزيات النقابية و ممثلي المجتمع المدني. كلهم أدلو للجنة بتوصياتهم. بعد ذلك، واصلت اللجنة أشغالها المغلقة من دون أن يسرب شيء عن فحوى هذا المشروع، عدا بعد الإشارات المرسلة من حين لآخر لطمأنة المتابعين حول التقدم الحاصل. وعلى بعد أسابيع من نهاية أشغال اللجنة، رأينا كيف أن بعض الأحزاب كانت تتوسل للإطلاع على المسودة و لكن دون جدوى. و لم تستطع هذه الأحزاب الإطلاع على المشروع إلا  ساعات قليلة قبل الخطاب الملكي، دون إمكانية  مناقشة المسودة أو تعديلها. فصاروا أمام الأمر الواقع بعد الخطاب الملكي. هذه المنهجية المتبعة في صياغة أسمى نص قانوني في الدولة هي في نظري بعيدة كل البعد عن الديمقراطية.
العديد من المغاربة طالبوا بجمعية تأسيسية منتخبة تصوغ مشروع الدستور، ثم تطرحه على الإستفتاء الشعبي، إسوة بما سيجري في تونس، حتى لا نذكر المثال اليسلاندي حيث  يناقش الشعب هناك  مشروع دستوره على الفيسبوك.
ماذا يقترح هذا الدستور؟
لست بخبير قانوني ولا مختص في القانون الدستوري، و لكنني أود كمواطن مغربي، غيورعلى وطنه إبداء رأيي في هذا المشروع.
الإيجابيات :
يتضمن المشروع إيجابيات عديدة، لا يمكن إنكارها. ليس بمستطاعي سردها بالكامل، و لكن على الأقل أهمها :
الأمازيغية (الفصل 5) : يعتبر الإعتراف بجزء كبير من هويتنا المغربية خطوة كبيرة . و لكنه، كان من الأفضل في نظري التنصيص على كونها لغة وطنية عوض رسمية. فلازلنا لم نحقق التقدم المنشود في إستعمال اللغة العربية كلغة رسمية (لا زالت بعض مراسلات الإدارات العمومية تكتب بالفرنسية، العروض التي يقدمها بعض الوزراء بالفرنسية أمام الملك…). و من جهة أخرى، فإن الأمازيغية ليست لغة موحدة. من المستحيل لشخصين يتكلمان تاريفيت و تاشالحيت أن يتفاهما اليوم. أي أمازيغية يجب إختيارها اليوم كلغة رسمية؟ أقترح عليكم  قراءة مقال ابن كافكا حول الموضوع، و الذي أتفق معه كليا.
حل الأحزاب السياسية (الفصل 9) : وحده القضاء يمكنه حل الأحزاب. بهذا البند كان من الممكن تفادي حل حزب البديل الحضاري.
تصويت المغاربة المقيمين بالخارج (الفصل 17) : دسترة هذا الحق تعطي للمغاربة  المقيمين بالخارج حق إختيار ممثليهم، عوض اعتبارهم كمورد للعملة الصعبة فقط.
مساواة الجنسين (الفصل 19) : يعترف المشروع بمساواة الجنسين في المجتمع، و على الخصوص تلك المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية التي وافق عليها المغرب، و بخلاف تلك اللتي تعارض الهوية المغربية. مما يقصي المسائل الدينية (الإرث على الخصوص).
التشريع بالظهائر (الفصل 42) : التشريع بظهير يقتصر على بعض المجالات المحددة . و الباقي يقتضي التوقيع من طرف رئيس الحكومة. سيكون التشريع إذن مقتصر على البرلمان.
قدسية الملك (البند 46) : لم تعد شخصية الملك مقدسة، و لكن لا تنتهك حرمته، و يجب له التوقير و الإحترام.
تعيين الوزير الأول (الفصل 47) : يتم تعيين رئيس الحكومة من الحزب الفائز بالانتخابات. كان هذا الفصل سيحول مثلا دون تعيين ادريس جطو كوزير أول سنة  2002.  في نظري، هذا الفصل غيرواضح في حالة عدم فوز الحزب الأول بالأغلبية المطلقة و عدم استطاعته جمع أغلبية برلمانية.
الحصانة البرلمانية ( الفصل 64) : يحدد هذا الفصل الحصانة البرلمانية في حرية التعبير و التصويت. و لكن هل سيحد هذا الإجراء من وجود مافيوزيييني في البرلمان؟
حذف المحكمة العليا للوزراء (الفصل 94) : في الدستور الحالي، يجب تحقيق شروط تعجيزية لتقديم وزراء أمام القضاء. في المشروع الحالي، يعتبر الوزراء مواطنين عاديين أمام القضاء. في إنتظار القانون التطبيقي الذي يحدد هذه الشروط.
حذف مقعد وزير العدل في المجلس الأعلى للسلطة القضائية (الفصل 115) : تقدم جيد في استقلال القضاء، و إن كان غير كافي كما سنرى. نتذكر كيف قام وزير العدل الحالي، محمد الناصري، بمضايقة
القاضي جعفر حسون و طرده من سلك القضاء.
و
يتضمن المشروع الحالي، كلاما كثيرا  حول  حقوق الإنسان و تجريم التعذيب (معتقل تمارة السري يناديكم)، و سوء المعاملة البشرية (حالة كمال العماري رحمه الله). سبق للمغرب أن نص قوانين كثيرة في هذا المجال، و وقع إتفاقية دولية، لم يطبقها أبدا. و الحالات كثيرة جدا.فما سيرغم الدولة على تطبيق هذه النصوص الآن؟
سلبيات المشروع :
الفصل 19 الشهير من الدستور الحالي : الكثيرون يعتبرونه دستورا قائما بنفسه ويطالبون بحذفه. فصل يعطي صلاحية جد واسعة للملك. المشروع الحالي أبقى على هذا الفصل، و جزءه لقسمين (الفصلان 41 و 42) يفصلان هذه الصلاحيات التي هي نفسها الموجودة في الفصل 19 الحالي.
تعيين و إقالة الوزراء (الفصل 47) : الكل كان ينتظر تقدما ملموسا حول هذه النقطة. و لكن لم يكن الأمر كذلك. لازال الملك يعيين الوزراء باقتراح من الوزير الأول، كما هو الحال في الدستور الحالي. و لكما نعلم في الواقع، فإن لائحة  الوزراء تعد في الديوان الملكي (كما حصل في حكومات جطوو لفاسي) ، دون إشراك تقريبا للوزير الأول في إعدادها. كما أن هذا الفصل الذي يخول وزراء السيادة (5 أو 6 في كل حكومة) الحصول على مقاعد رغم عدم انتمائهم لحزب سياسي أو لوزراء تقنوقراط يحصلون على بطاءقهم الحزبية أيام قبل  تنصيبهم.  والأمثلة متعددة في الحكومة الحالية (بلخياط، بنخضراء، الزناكي، اخنوش…). هذه الفئة من الوزراء لا يمكن محاسبتها عن طريق الانتخابات كما تقتضيه ذلك الأعراف الديمقراطية. الإشكال الثاني هو إقالة الوزراء. لايمكن إقالة هؤلاء إلا من طرف الملك، و ليس من طرف رئيس الحكومة! شيء مهين لهذا الأخير، الذي يحرم إذن من جزء مهم من سلطته إزاء وزرائه. و لا يخفى علينا أنها طريقة لحماية وزراء السيادة، الذين لا يمكن إقالتهم إلا من طرف الملك، حتى و لم يمتثلوا إلى السياسة الحكومية المتفق عليها.
تعيين الولاة و العمال و السفراء و المسئولين عن الأمن الداخلي و مدراء المؤسسات العمومية الإستراتيجية ( الفصل 49) : رغم أن هؤلاء الموظفين السامين موضوعون تحت سلطة رئيس الحكومة، فإن تعيينهم يتم من طرف مجلس الوزراء الذي يترأسه الملك. و بما أن توازن السلط يرجح كفة الملك، فمن شبه المؤكد أن التعيينات ستأتي مباشرة من الديوان الملكي، دون أن يكون لرئيس الحكومة رأي فيها. و كما هو منصوص في الفصل145، فإن الولاة و العمال هم ممثلو السلطة المركزية، و يقومون بتنفيذ القوانين و المقررات الحكومية و يسهرون على  التسيير الإداري. كيف يمكن لهؤلاء الولاة و العمال الامتثال لأوامر رئيس الحكومة و تعيينهم تم من طرف مجلس الوزراء الذي يرأسه الملك؟ نفس الشيء يطبق على مدراء المؤسسات العمومية الإستراتيجية، التي يجب أن تمتثل للسياسة العامة للحكومة.
تعيين أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية (الفصل 113) : كان يجب على هذا المجلس أن   يكون  مستقلا  تماما عن باقي السلط.  و لكن الملاحظ أن نصف أعضائه  فقط منتخبون من  طرف القضاة.  النصف الآخر يتم تعيينه من طرف الملك، أو يتكون من رؤساء  لهيئات أخرى (الرئيس الأول لمحكمة النقض، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الوسيط…) الذين هم بدورهم معينون من طرف الملك.
أين هي استقلالية القضاء إذن؟
تعيين أعضاء المحكمة الدستورية  (الفصل 130٠) : تمارس المحكمة الدستورية، من بين إختصاصاتها، التأكد من دستورية القوانين، و التحقق من نتائج الانتخابات و الإستفتاءات. حسب مشروع الدستور، فإن نصف أعضائها يعينون من طرف الملك. فكيف يكمن إذن ضمان استقلالية و حياد هذه المؤسسة؟
لإعطائكم  فكرة شاملة عن إختصاصات الملك في مشروع الدستور الجديد، أقترح عليكم هذا الرسم الميبياني:
بعد الإطلاع على كل هذه الصلاحيات، هل يكمن القول أن المغرب ملكية برلمانية؟ لا! مع أن الفصل 1 يقول أن “المغرب ملكية دستورية، ديمقراطية، برلمانية و إجتماعية” . هذه العبارة في نظري لا تعني شيء، و هي مجرد حشو و كلمة متناقضة أحيانا.
هل سيكرس هذا المشروع  رئيس الحكومة، الذي يستمد شرعيته من صناديق الإقتراع، كرئيس فعلي للسلطة التنفيذية؟ لا! دوره سيقتصر على منفذ تحت الوصاية الملكية. و ميزان القوى الحالي في المغرب، لا يسمح لرئيس للحكومة بمعارضة الملك.
للإقتراب من الواقع، هل سيحول مشروع الدستور دون إطلاق مشاريع مكلفة و عديمة الفائدة كمشروع القطار الفائق السرعة؟ لا! هل سيجعل جميع الوزراء خاضعين لمحاسبة صناديق الإقتراع كما تنص عليه مبادئ الديمقراطية؟ لا! هل سيحول دون تدخل أشخاص قريبين من المحيط الملكي  ( السيدان عالي الهمة و الماجدي مثلا)   في شؤون البلاد؟ لا! هل سيجعل السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التنفيذية؟ لا!
المبادئ الأساسية للديمقراطية توجب مساءلة و محاسبة المسئولين عن البلاد.  هذا المشروع يحول دون ذلك، لأن الذي يملك مفاتيح السلطة التنفيذية هو الملك، الذي لا يمكن محاسبته.
لا أود محاسبة أو مساءلة ملكي. أود أن يبقى فوق كل هذه الاعتبارات و يظل رمزا للأمة، يلجأ إليه المغاربة للتحكيم كآخر ملاذ.و مشروع الدستور هذا لا يمكن ذلك.
الذين يقولون أن هذا الدستور هو مرحلة من مراحل الوصول إلى الديمقراطية، لا يعرفون جيدا تاريخ المغرب. لقد طالبت الحركة الوطنية من الملك أن يسود و لا يحكم سنة في مشروع دستور 1962. و كان جواب الحكم آنذاك أن المغرب ليس مؤهلا لذلك بعد 50 سنة بعد ذلك، لا زال الكثيرون يطالبون بذلك. و في تلك الأثناء، حققت  بلدان عديدة الديمقراطية الحقيقية وتنمية على جميع المستويات. العولمة حولت  العالم إلى حصص للسوق تشتد المنافسة عليها، و كل تأخير في تحقيق التنمية، يجعل تدارك السنوات الضائعة أكثر صعوبة. المغرب و كوريا الجنوبية كان مثلا على نفس مستوى التنمية و في
الخمسينات (نفس نسبة الأمية، و نفس مستوى الدخل الفردي). إلا أن الكوريين اختارو سبيل الديمقراطية عكس النظام المغربي مثلا.
كل  هذه الأسباب تدفعني إلى رفض هذا المشروع. لا أعرف إن كنت سأصوت بلا أو سأقاطع التصويت، و لكن  لن يكون بنعم في كل الأحوال.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *