لهذا لن أصوت على العدالة والتنمية في تشريعيات 2016

benkirane_bras

في 2011، وفي أوج الربيع العربي، خرج آلاف المغاربة إلى الشوارع للمطالبة بإصلاحات سياسية عميقة و ضد الفساد و من أجل إقرار مبدأ المحاسبة. تم تبني دستور جديد و الذي وإن كان محبطا قياسا إلى مستوى مطالب الشارع إلا أنه مثل تقدما نسبيا مقارنة مع دستور 1996. كان أمام الأحزاب التي خاضت غمار الانتخابات التشريعية التي تلت المصادقة على الدستور تحدي الإجابة على الانتظارات العديدة للمغاربة، والتي كانت ملخصة في الشعار الرئيسي لحراك 20 فبراير: كرامة، حرية و عدالة اجتماعية.

آنذاك، قدم حزب العدالة و التنمية نفسه كمدافع عن قيم النزاهة و الحكامة الجيدة و كمحارب للفساد و لكل مظاهر الريع، عبر شعاره: “صوتك فرصتك لمحاربة الفساد و الاستبداد”.

بفضل تطلع المغاربة للتغيير ورؤية حزب لم يتم بعد اختباره في السلطة، منح المغاربة أكثرية أصواتهم للعدالة و التنمية (مليون صوت من أصل 7 ملايين ناخب) مما أهله لتشكيل الحكومة.

ما هي حصيلة العدالة والتنمية بعد خمس سنوات في الحكم؟ هل استطاع الحزب الوفاء بوعوده الانتخابية و الإجابة على التطلعات الكبرى للمغاربة؟ هل يمكن تجديد الثقة في العدالة والتنمية لخمس سنوات أخرى في الحكم؟

على المستوى السياسي

بحكم أنها أول حكومة في ظل دستور 2011، كان الجميع يترقب كيف ستقوم حكومة بنكيران بتنزيل الوثيقة الدستورية. تمثل أول اختبار في مسلسل المصادقة على القانون التنظيمي للتعيينات في المؤسسات و المقاولات العمومية الاستراتيجية. ترك الفصل 49 من الدستور للقانون التنظيمي مجال تحديد لائحة هذه المؤسسات الاستراتيجية، و التي يعين الملك مسييريها، عبر المجلس الوزاري. في الوقت الذي كنا نتوقع أن يتراوح العدد بين 5 و 10 مؤسسات على أقصى تقدير، صوت نواب الأغلبية، بقيادة العدالة و التنمية، على قانون يشمل حوالي 40 مؤسسة، وهو ما شكل انتقاصا من جوهر العمل الحكومي و إبعادا لقطاعات استراتيجية من المراقبة الحكومية. أصبح بذلك رئيس الحكومة بدون سلطة على مؤسسات كصندوق الإيداع والتدبير و المكتب الشريف للفوسفاط والمكتب الوطني للسكك الحديدية والمكتب الوطني للماء والكهرباء ومكتب الهيدروكاربورات والمعادن ومكتب المطارات والخطوط الملكية المغربية وصندوق الضمان الاجتماعي وبنك CIH وشركة العمران و !الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة والقرض الفلاحي، بل و حتى شركة تشجيع الفرس! من الخيمة خرج مايل

بعد بضعة أشهر و إثر خروج حزب الاستقلال من الحكومة، بادر بنكيران إلى تغيير الوزراء الاستقلاليين بآخرين من التجمع الوطني للأحرار، وعلى رأسهم مزوار، نفس مزوار الذي كان بنكيران يصفه بأقذع النعوت خلال حملة 2011.

benkirane_mezouar

على المستوى الاقتصادي

أتت حكومة بنكيران في 2011 في إطار ماكرو اقتصادي صعب، في ظل ارتفاع صارخ لأسعار النفط و في سياق انعكاسات الأزمة العالمية على المغرب و على شركائه الاقتصاديين. رغم التحسن العام للإطار الماكرو اقتصادي المسجل حاليا، إلا أن هذا التحسن لا يمكن نسبته للعمل الحكومي. فتراجع عجز الميزانية و تحسن الميزان التجاري و ميزان الأداءات يرجعان بالأساس لانخفاض أسعار النفط في الأسواق الدولية.

بالمقابل عرفت المديونية العمومية تضخما فادحا في ظل حكومة بنكيران. فقد بلغت 82% من الناتج الداخلي الخام في أواخر 2015، و هو ما يتجاوز عتبة ال 70% المنصوح بها لدولة سائرة في طريق النمو كالمغرب. يجمع المحللون على استحالة استدامة هذه المستويات من المديونية العمومية، و الأدهى أن الحكومة لم تقم بأي إجراء عملي لكي يتوقف النزيف.

يشمل رصيد هذه الحكومة، المتشبعة بالعقيدة الليبرالية المتوحشة – الأولتراليبرالية (والتي نجحت في إخفائها عن ناخبيها في 2011)، إجراء آخر اعتبره الكثيرون، عن خطأ، مشروع إصلاح لصندوق المقاصة وهو تحرير أسعار المحروقات. قام لوبي موزعي المحروقات، الممثل بقوة في الحكومة بوزيرين، بضغط رهيب لكي ترفع الدولة يدها عن تحديد أسعار توزيع المحروقات. والنتيجة؟ أصبح موزعو المحروقات هم من يقومون بتحديد أسعار التوزيع في محطات الوقود بطريقة تجعل الأسعار لا تتغير بنفس وتيرة تغير سعر البرميل على المستوى الدولي. ستستمر هذه الممارسات بدون محاسبة في المغرب اللهم إذا استيقظ مجلس المنافسة من سباته العميق.

هناك كارثة أخرى في طور التحضير: تحرير سعر صرف الدرهم. ترتبط العملة الوطنية حاليا بسلة عملات محددة من طرف سلطات الرقابة المالية (موزعة حاليا بين60 في المائة من اليورو و40 في المائة من الدولار). سيصبح سعر صرف الدرهم بعد التحرير خاضعا لقانون العرض و الطلب في سوق العملات، وستتعرض العملة الوطنية لمخاطر الانهيار عند أدنى صدمة اقتصادية أو سياسية، مما سيؤدي لارتفاع تكاليف استيراد المواد الأولية و مواد التجهيز وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية للأسر. هل هم واعون بفداحة هذا الإجراء الذي قاوم المغرب لعقود محاولات فرضه من طرف صندوق النقد الدولي؟

هذا الأخير و الذي رفع يده عن المغرب بعد انقضاء 10 سنوات مؤلمة من برنامج التقويم الهيكلي، في 1983، استطاع فرض نفسه من جديد في ظل هذه الحكومة، عبر خط الاحتياط و السيولة (وهو في الواقع مجرد آلية ائتمانية دون أي تحويل أموال إلى اليوم). يحاول الصندوق عبر هذا الخط أن يفرض بكل الوسائل، ودون أن يواجه أية ممانعة، وصفته الأولتراليبرالية التي أثبتت فشلها: تحرير الأسعار، تحرير سعر صرف العملة الوطنية، تقشف الميزانية،….

لن أسهب كثيرا في “مشروع إصلاح” صندوق المقاصة، و الذي رغم مشروعيته تم تقزيمه إلى مجرد حذف لمبالغ الدعم، عوض أن يتم إعادة توجيهها نحو الأسر الأكثر فقرا، أو أن يتم استغلالها مثلا لتحفيز إدماج مستدام للطاقات المتجددة لدى الأسر المغربية. لن أتكلم أيضا عن مشروع إصلاح أنظمة التقاعد العمومية المدنية، و التي تجاهلت معطيات كثيرة و صورت بالمقابل أن هرم أعمار المغاربة مطابق لنظيره في فرنسا أو ألمانيا. سأذكر فقط في الختام بأن هذه الحكومة رفعت في 2014 الضريبة على القيمة المضافة على منتجات أساسية (كالسكر و الشاي و الزبدة…) مؤدية بذلك إلى تقويض إضافي للقدرة الشرائية الهزيلة أصلا للمغاربة الأكثر فقرا.

 على مستوى الحريات و مكافحة الفساد

آمال كبرى تلك التي علقت على حكومة بنكيران على مستوى مكافحة الفساد و حماية الحريات العامة، بالنظر إلى الدستور الجديد و إلى الوعود الانتخابية.

كانت البداية مع موضوع المأذونيات الريعية الممنوحة من طرف الدولة. بمجرد ما تم نشر لوائح المستفيدين من مأذونيات حافلات النقل و تراخيص استغلال المقالع، ظن الجميع أن إصلاحا عميقا على وشك الحدوث. للأسف “ما وقع والو”. لم يتم تسجيل أي إجراء عملي يساهم في استئصال سرطان الريع الذي ينخر المغرب و الذي يمنح امتيازات لآلاف الأشخاص لمجرد أنهم قريبون من دائرة السلطة.

ثم جاءت قضية “بريمات مزوار“، الذي كان حينها وزيرا للمالية (قبل أن يتولى حقيبة الخارجية) والذي كان يتبادل علاوات استثنائية (عطيني نعطيك) مع مدير الخزينة العامة. هل أفضى ذلك إلى متابعات قضائية؟ نعم، فقط ضد من قاموا بتسريب الوثائق التي تثبت العملية. وكانت تلك رسالة واضحة من حكومة البيجيدي إلى كل الأصوات التي قد تسول لها نفسها بالتبليغ عن قضايا فساد: سدو فمكوم. كاليك ” صوتك فرصتك لمحاربة الفساد و الإستبداد”.

قضية أخرى أحدثت ضجة في المغرب: سجن علي أنوزلا، مدير نشر موقع لكم و الذي كان قد نشر مقالة متضمنة لفيديو دعائي لتنظيم القاعدة. في الوقت الذي انتظرنا أن ينتصر وزير الاتصال الخلفي لحرية الصحافة و حقها في التعبير عن الأحداث كما هي، قام هذا الوزير (والصحفي سابقا) والمشهور بالمبالغة في تصريحاته الرنانة رفقة زميله وزير العدل الرميد (وهو للتذكير رئيس النيابة العامة) بصياغة بيان ناري يزيد في إغراق أنوزلا عبر اتهامات خطيرة. رغم أن القضية انتهت بسلام (رغم ذلك أنوزلا لا يزال متابعا في قضايا أخرى) إلا أنها أثبتت بأن البيجيدي لا يهتم كثيرا بالدفاع عن حرية الصحافة بالمفهوم المتعارف عليه كونيا.

كانت لحكومة البيجيدي فرصة ذهبية أخرى لكي تثبت بأنها جادة في محاربة الفساد: القانون التنظيمي المنصب لهيئة محاربة الرشوة. رفضت الحكومة بقوة أن توسع من اختصاصات الهيئة و قزمت وظيفتها في إعداد التقارير و بعض التدابير الفضفاضة.

نسجل أيضا التحرش الممنهج ،الذي وصل إلى المنع، والذي مارسته الحكومة تجاه أنشطة المنظمات المنتقدة للسلطات، في حالات فريدوم ناو، أطاك، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، جمعية الحقوق الرقمية… تبقى قضية المعطي منجب ورفاقه أبلغ مثال على حملات التضييق و التي اكتفى خلالها البيجيدي وحلفاؤه بأدوار المتفرجين.

أخيرا، أتى قرار منع الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات لل VoIP كتتويج لمسلسل 5 سنوات من انتهاك الحريات. أمرت هذه الوكالة، التي يرأس بنكيران مجلس إدارتها، من شركات الاتصالات قطع خدمات ال VoIP عن زبنائها ضاربة بعرض الحائط الإيجابيات الاقتصادية و الاجتماعية التي تجعل ملايين المغاربة، في الداخل والخارج، يلجؤون إلى هذه التقنية التواصلية الرائعة، خصوصا الطلبة و المقاولين منهم.

 واللائحة طويلة: مشروع القانون الجنائي، انتهاك الحريات الشخصية، الاستعمال المبالغ فيه للقوة خلال المظاهرات العمومية… مما يجعلنا نعاود قراءة البرنامج الانتخابي للبيجيدي فربما كان كل هذا محررا في أسطر غير ظاهرة.

على مستوى الخدمات العمومية والاجتماعية

خلال ولاية البيجيدي، وصلت جودة الخدمات العمومية إلى الحضيض: تعليم، صحة، بنيات تحتية، نقل… إذا كان الكل يجمع على كارثية الوضع، هناك اختلاف على مستوى الحلول المقترحة…

فأمام وضعية تمتص فيها دماء الطبقة المتوسطة بإرغامها على اللجوء إلى المدارس الخاصة لكي توفر تعليما مقبولا لأطفالها (الطبقات الفقيرة مغلوبة على أمرها و لا خيار لها في هذه المسألة…) حيث تخصص الأسرة الواحدة في المتوسط 25 بالمائة من مدخولها لتعليم أطفالها؛ يتجرأ بنكيران على التصريح، أمام هذه الوضعية، بأنه “آن الأوان للدولة بأن ترفع يدها عن بعض القطاعات كالصحة و التعليم” مضيفا بأن “دور الدولة يجب أن لا يتجاوز دعم الفاعلين الخواص المهتمين بهذين المجالين”. مرة أخرى تؤكد أولتراليبرالية البيجيدي على نفسها بطريقة صارخة، متجاهلة طموح الطبقة المتوسطة المشروع في الاستفادة من خدمات عمومية في المستوى في مقابل الضرائب الثقيلة التي تدفعها. هذا دون الحديث عن تدمير المدرسة العمومية، التي كانت تشكل رافعة اجتماعية مكنت العديد من أبناء الأسر الفقيرة من الولوج إلى المعرفة و المساهمة في بناء وطنها.

إذا كان المغرب قد حقق بعض التقدم في إنشاء بنيات تحتية كبرى، فالنقل الحضري و البنية التحتية القروية لا يزالان في مستويات كارثية. وأذكركم في هذا الصدد بتصريح الرباح في البرلمان تعليقا على انهيار العشرات من الطرق و القناطر إثر فياضانات بالجنوب، كما لو كانت مبنية من ورق:”ليست للدولة إمكانيات لإنشاء و صيانة بنية تحتية وقناطر جيدة في الجنوب”. نفس الدولة المشار إليها هنا لديها إمكانيات لكي تمد خط قطار فائق السرعة على طول 200 كم بكلفة 25 مليار درهم (أي ما يعادل كلفة بناء 25 ألف مدرسة و 25 مستشفى جامعي)، إلا أنها لا تملك موارد لصيانة طرق تعتبر الوسيلة الوحيدة لفك عزلة ملايين المغاربة الذين يعيشون في مناطق معزولة من البلاد. فلتذهب الأولويات إلى الجحيم.

فضيحة أخرى يجب إضافتها إلى حصيلة تدبير المرفق العمومي: تفويض تسيير معالم تاريخية إلى الخواص. كيف يعقل أن يتم تفويت جواهر تراثنا الحضاري العابر للقرون عبر آلية الصفقات العمومية للمنافس الأقل ثمنا. لا يمكن وصف ذلك بشيء آخر غير كونه “جريمة”.

إذن لمن سنصوت؟

إذا كان البيجيدي يشتكي اليوم من “التحكم” و من تدخل المخزن في إعداد الانتخابات، فهو يتناسى بأنه كان يتوفر على هامش كبير لكي يطور اللعبة الانتخابية في اتجاه أكثر إنصافا و شفافية (يستفيد منه الجميع)، وذلك عبر إقرار مجموعة من التدابير و القوانين. وأذكركم هنا برفضهم إنشاء هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات و إلغاء ضرورة توفر رؤساء الجماعات على مستوى تعليمي أدنى ناهيك عن الترخيص لمروجي مخدرات سابقين للترشح للانتخابات.

لمن نمنح أصواتنا في 2016، بعد أن فشل البيجيدي تماما في الوفاء لوعوده العديدة التي أطلقها في 2011؟ بالتأكيد لن نمنحها لكراكيز المخزن الذين لا هم لهم إلا الاستفادة من المنظومة القائمة، هم و أقرانهم (خصوصا الأثرياء منهم) و الذين يساهمون في تأبيد السلطوية و الفساد الذين ينخران المغرب منذ استقلاله.

أنا شخصيا سأمنح صوتي لقوة سياسية تمثل خطا ثالثا يفتح أمام المغرب، فيدرالية اليسار الديمقراطي، و التي تناضل من أجل إرساء دولة حق و قانون حقيقية. مناضلوها أبناء للحركة الوطنية، ظلوا دوما صامدين أمام ضغط الآلة المخزنية. لا يتوقفون عن المقاومة و النضال، على امتداد تراب المغرب، من أجل قيم الديمقراطية و العدالة الاجتماعية. هو خط ثالث يشق طريقه بحزم، بعيدا عن الإسلاميين الذين رغم إيديولوجيتهم المحافظة كانوا أولتراليبيراليين على المستوى الاقتصادي، و بعيدا أيضا عن المخزيين اللاديمقراطيين الذين يهتمون فقط باستمرار امتيازاتهم.

خط فيديرالية اليسار الديمقراطي هو بالنسبة لي آخر أمل.

Logo Fédération de la Gauche Démocratique
Logo Fédération de la Gauche Démocratique

لهذه الأسباب أرفض مشروع التعديل الدستوري

بعد 3 أشهر من الأشغال، قدمت لجنة المنوني مشروع تعديل الدستور الذي أعلن الملك عن مضامينه  في خطاب 17 يونيو. خطاب دعا فيه أيضا لاستفتاء شعبي يوم فاتح يوليوز، أي بعد أسبوعين فقط من نشر
ماذا عن المنهجية؟
أعود في بداية الأمر لمنهجية صياغة مشروع الدستور. بعد مسيرات 20  فبرايرالأولى ضد النظام منذ سنوات (حتى لا نتحدث عن عقود) اخدالملك بزمام الأمور،  و ألقى خطابا يوم 9 مارس أعلن فيه عن إجراء تعديلات دستورية عميقة. و لأجل ذلك، عين لجنة مكونة من خبراء  تقنوقراط وجامعيين، و أوكل  لهم مهمة إعداد مشروع دستور جديد بتشاور مع الأحزاب السياسية و المركزيات النقابية و ممثلي المجتمع المدني. كلهم أدلو للجنة بتوصياتهم. بعد ذلك، واصلت اللجنة أشغالها المغلقة من دون أن يسرب شيء عن فحوى هذا المشروع، عدا بعد الإشارات المرسلة من حين لآخر لطمأنة المتابعين حول التقدم الحاصل. وعلى بعد أسابيع من نهاية أشغال اللجنة، رأينا كيف أن بعض الأحزاب كانت تتوسل للإطلاع على المسودة و لكن دون جدوى. و لم تستطع هذه الأحزاب الإطلاع على المشروع إلا  ساعات قليلة قبل الخطاب الملكي، دون إمكانية  مناقشة المسودة أو تعديلها. فصاروا أمام الأمر الواقع بعد الخطاب الملكي. هذه المنهجية المتبعة في صياغة أسمى نص قانوني في الدولة هي في نظري بعيدة كل البعد عن الديمقراطية.
العديد من المغاربة طالبوا بجمعية تأسيسية منتخبة تصوغ مشروع الدستور، ثم تطرحه على الإستفتاء الشعبي، إسوة بما سيجري في تونس، حتى لا نذكر المثال اليسلاندي حيث  يناقش الشعب هناك  مشروع دستوره على الفيسبوك.
ماذا يقترح هذا الدستور؟
لست بخبير قانوني ولا مختص في القانون الدستوري، و لكنني أود كمواطن مغربي، غيورعلى وطنه إبداء رأيي في هذا المشروع.
الإيجابيات :
يتضمن المشروع إيجابيات عديدة، لا يمكن إنكارها. ليس بمستطاعي سردها بالكامل، و لكن على الأقل أهمها :
الأمازيغية (الفصل 5) : يعتبر الإعتراف بجزء كبير من هويتنا المغربية خطوة كبيرة . و لكنه، كان من الأفضل في نظري التنصيص على كونها لغة وطنية عوض رسمية. فلازلنا لم نحقق التقدم المنشود في إستعمال اللغة العربية كلغة رسمية (لا زالت بعض مراسلات الإدارات العمومية تكتب بالفرنسية، العروض التي يقدمها بعض الوزراء بالفرنسية أمام الملك…). و من جهة أخرى، فإن الأمازيغية ليست لغة موحدة. من المستحيل لشخصين يتكلمان تاريفيت و تاشالحيت أن يتفاهما اليوم. أي أمازيغية يجب إختيارها اليوم كلغة رسمية؟ أقترح عليكم  قراءة مقال ابن كافكا حول الموضوع، و الذي أتفق معه كليا.
حل الأحزاب السياسية (الفصل 9) : وحده القضاء يمكنه حل الأحزاب. بهذا البند كان من الممكن تفادي حل حزب البديل الحضاري.
تصويت المغاربة المقيمين بالخارج (الفصل 17) : دسترة هذا الحق تعطي للمغاربة  المقيمين بالخارج حق إختيار ممثليهم، عوض اعتبارهم كمورد للعملة الصعبة فقط.
مساواة الجنسين (الفصل 19) : يعترف المشروع بمساواة الجنسين في المجتمع، و على الخصوص تلك المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية التي وافق عليها المغرب، و بخلاف تلك اللتي تعارض الهوية المغربية. مما يقصي المسائل الدينية (الإرث على الخصوص).
التشريع بالظهائر (الفصل 42) : التشريع بظهير يقتصر على بعض المجالات المحددة . و الباقي يقتضي التوقيع من طرف رئيس الحكومة. سيكون التشريع إذن مقتصر على البرلمان.
قدسية الملك (البند 46) : لم تعد شخصية الملك مقدسة، و لكن لا تنتهك حرمته، و يجب له التوقير و الإحترام.
تعيين الوزير الأول (الفصل 47) : يتم تعيين رئيس الحكومة من الحزب الفائز بالانتخابات. كان هذا الفصل سيحول مثلا دون تعيين ادريس جطو كوزير أول سنة  2002.  في نظري، هذا الفصل غيرواضح في حالة عدم فوز الحزب الأول بالأغلبية المطلقة و عدم استطاعته جمع أغلبية برلمانية.
الحصانة البرلمانية ( الفصل 64) : يحدد هذا الفصل الحصانة البرلمانية في حرية التعبير و التصويت. و لكن هل سيحد هذا الإجراء من وجود مافيوزيييني في البرلمان؟
حذف المحكمة العليا للوزراء (الفصل 94) : في الدستور الحالي، يجب تحقيق شروط تعجيزية لتقديم وزراء أمام القضاء. في المشروع الحالي، يعتبر الوزراء مواطنين عاديين أمام القضاء. في إنتظار القانون التطبيقي الذي يحدد هذه الشروط.
حذف مقعد وزير العدل في المجلس الأعلى للسلطة القضائية (الفصل 115) : تقدم جيد في استقلال القضاء، و إن كان غير كافي كما سنرى. نتذكر كيف قام وزير العدل الحالي، محمد الناصري، بمضايقة
القاضي جعفر حسون و طرده من سلك القضاء.
و
يتضمن المشروع الحالي، كلاما كثيرا  حول  حقوق الإنسان و تجريم التعذيب (معتقل تمارة السري يناديكم)، و سوء المعاملة البشرية (حالة كمال العماري رحمه الله). سبق للمغرب أن نص قوانين كثيرة في هذا المجال، و وقع إتفاقية دولية، لم يطبقها أبدا. و الحالات كثيرة جدا.فما سيرغم الدولة على تطبيق هذه النصوص الآن؟
سلبيات المشروع :
الفصل 19 الشهير من الدستور الحالي : الكثيرون يعتبرونه دستورا قائما بنفسه ويطالبون بحذفه. فصل يعطي صلاحية جد واسعة للملك. المشروع الحالي أبقى على هذا الفصل، و جزءه لقسمين (الفصلان 41 و 42) يفصلان هذه الصلاحيات التي هي نفسها الموجودة في الفصل 19 الحالي.
تعيين و إقالة الوزراء (الفصل 47) : الكل كان ينتظر تقدما ملموسا حول هذه النقطة. و لكن لم يكن الأمر كذلك. لازال الملك يعيين الوزراء باقتراح من الوزير الأول، كما هو الحال في الدستور الحالي. و لكما نعلم في الواقع، فإن لائحة  الوزراء تعد في الديوان الملكي (كما حصل في حكومات جطوو لفاسي) ، دون إشراك تقريبا للوزير الأول في إعدادها. كما أن هذا الفصل الذي يخول وزراء السيادة (5 أو 6 في كل حكومة) الحصول على مقاعد رغم عدم انتمائهم لحزب سياسي أو لوزراء تقنوقراط يحصلون على بطاءقهم الحزبية أيام قبل  تنصيبهم.  والأمثلة متعددة في الحكومة الحالية (بلخياط، بنخضراء، الزناكي، اخنوش…). هذه الفئة من الوزراء لا يمكن محاسبتها عن طريق الانتخابات كما تقتضيه ذلك الأعراف الديمقراطية. الإشكال الثاني هو إقالة الوزراء. لايمكن إقالة هؤلاء إلا من طرف الملك، و ليس من طرف رئيس الحكومة! شيء مهين لهذا الأخير، الذي يحرم إذن من جزء مهم من سلطته إزاء وزرائه. و لا يخفى علينا أنها طريقة لحماية وزراء السيادة، الذين لا يمكن إقالتهم إلا من طرف الملك، حتى و لم يمتثلوا إلى السياسة الحكومية المتفق عليها.
تعيين الولاة و العمال و السفراء و المسئولين عن الأمن الداخلي و مدراء المؤسسات العمومية الإستراتيجية ( الفصل 49) : رغم أن هؤلاء الموظفين السامين موضوعون تحت سلطة رئيس الحكومة، فإن تعيينهم يتم من طرف مجلس الوزراء الذي يترأسه الملك. و بما أن توازن السلط يرجح كفة الملك، فمن شبه المؤكد أن التعيينات ستأتي مباشرة من الديوان الملكي، دون أن يكون لرئيس الحكومة رأي فيها. و كما هو منصوص في الفصل145، فإن الولاة و العمال هم ممثلو السلطة المركزية، و يقومون بتنفيذ القوانين و المقررات الحكومية و يسهرون على  التسيير الإداري. كيف يمكن لهؤلاء الولاة و العمال الامتثال لأوامر رئيس الحكومة و تعيينهم تم من طرف مجلس الوزراء الذي يرأسه الملك؟ نفس الشيء يطبق على مدراء المؤسسات العمومية الإستراتيجية، التي يجب أن تمتثل للسياسة العامة للحكومة.
تعيين أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية (الفصل 113) : كان يجب على هذا المجلس أن   يكون  مستقلا  تماما عن باقي السلط.  و لكن الملاحظ أن نصف أعضائه  فقط منتخبون من  طرف القضاة.  النصف الآخر يتم تعيينه من طرف الملك، أو يتكون من رؤساء  لهيئات أخرى (الرئيس الأول لمحكمة النقض، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الوسيط…) الذين هم بدورهم معينون من طرف الملك.
أين هي استقلالية القضاء إذن؟
تعيين أعضاء المحكمة الدستورية  (الفصل 130٠) : تمارس المحكمة الدستورية، من بين إختصاصاتها، التأكد من دستورية القوانين، و التحقق من نتائج الانتخابات و الإستفتاءات. حسب مشروع الدستور، فإن نصف أعضائها يعينون من طرف الملك. فكيف يكمن إذن ضمان استقلالية و حياد هذه المؤسسة؟
لإعطائكم  فكرة شاملة عن إختصاصات الملك في مشروع الدستور الجديد، أقترح عليكم هذا الرسم الميبياني:
بعد الإطلاع على كل هذه الصلاحيات، هل يكمن القول أن المغرب ملكية برلمانية؟ لا! مع أن الفصل 1 يقول أن “المغرب ملكية دستورية، ديمقراطية، برلمانية و إجتماعية” . هذه العبارة في نظري لا تعني شيء، و هي مجرد حشو و كلمة متناقضة أحيانا.
هل سيكرس هذا المشروع  رئيس الحكومة، الذي يستمد شرعيته من صناديق الإقتراع، كرئيس فعلي للسلطة التنفيذية؟ لا! دوره سيقتصر على منفذ تحت الوصاية الملكية. و ميزان القوى الحالي في المغرب، لا يسمح لرئيس للحكومة بمعارضة الملك.
للإقتراب من الواقع، هل سيحول مشروع الدستور دون إطلاق مشاريع مكلفة و عديمة الفائدة كمشروع القطار الفائق السرعة؟ لا! هل سيجعل جميع الوزراء خاضعين لمحاسبة صناديق الإقتراع كما تنص عليه مبادئ الديمقراطية؟ لا! هل سيحول دون تدخل أشخاص قريبين من المحيط الملكي  ( السيدان عالي الهمة و الماجدي مثلا)   في شؤون البلاد؟ لا! هل سيجعل السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التنفيذية؟ لا!
المبادئ الأساسية للديمقراطية توجب مساءلة و محاسبة المسئولين عن البلاد.  هذا المشروع يحول دون ذلك، لأن الذي يملك مفاتيح السلطة التنفيذية هو الملك، الذي لا يمكن محاسبته.
لا أود محاسبة أو مساءلة ملكي. أود أن يبقى فوق كل هذه الاعتبارات و يظل رمزا للأمة، يلجأ إليه المغاربة للتحكيم كآخر ملاذ.و مشروع الدستور هذا لا يمكن ذلك.
الذين يقولون أن هذا الدستور هو مرحلة من مراحل الوصول إلى الديمقراطية، لا يعرفون جيدا تاريخ المغرب. لقد طالبت الحركة الوطنية من الملك أن يسود و لا يحكم سنة في مشروع دستور 1962. و كان جواب الحكم آنذاك أن المغرب ليس مؤهلا لذلك بعد 50 سنة بعد ذلك، لا زال الكثيرون يطالبون بذلك. و في تلك الأثناء، حققت  بلدان عديدة الديمقراطية الحقيقية وتنمية على جميع المستويات. العولمة حولت  العالم إلى حصص للسوق تشتد المنافسة عليها، و كل تأخير في تحقيق التنمية، يجعل تدارك السنوات الضائعة أكثر صعوبة. المغرب و كوريا الجنوبية كان مثلا على نفس مستوى التنمية و في
الخمسينات (نفس نسبة الأمية، و نفس مستوى الدخل الفردي). إلا أن الكوريين اختارو سبيل الديمقراطية عكس النظام المغربي مثلا.
كل  هذه الأسباب تدفعني إلى رفض هذا المشروع. لا أعرف إن كنت سأصوت بلا أو سأقاطع التصويت، و لكن  لن يكون بنعم في كل الأحوال.